فصل: من فوائد الشوكاني في الآية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وهكذا رواه الترمذي، عن عبد بن حُمَيد وعن نصر بن علي الجَهْضمي، كلاهما عن مسلم بن إبراهيم، به. ثم قال: وهذا حديث غريب.
وهكذا رواه ابن جرير والحاكم في مستدركه، من طرق مسلم بن إبراهيم، به. ثم قال الحاكم: صحيح الإسناد ولم يخرجاه. وكذا رواه سعيد بن منصور، عن الحارث بن عُبَيد أبي قدامة الأيادي عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شَقِيق، عن عائشة، به.
ثم قال الترمذي: وقد روى بعضهم هذا عن الجُرَيري، عن ابن شقيق قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يحرس. ولم يذكر عائشة.
قلت: هكذا رواه ابن جرير من طريق إسماعيل بن عُلَيَّةَ، وابن مردويه من طريق وُهَيْب كلاهما عن الجُرَيري، عن عبد الله بن شقيق مرسلا وقد روى هذا مرسلا عن سعيد بن جبَيْر ومحمد بن كعب القُرَظي، رواهما ابن جرير والربيع بن أنس رواه ابن مردويه، ثم قال: حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا أحمد بن رِشدِين المصري، حدثنا خالد بن عبد السلام الصَّدفي، حدثنا الفضل بن المختار، عن عبد الله بن مَوْهَب، عن عصمة بن مالك الْخَظْمي قال: كنا نحرس رسول الله صلى الله عليه وسلم بالليل حتى نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فترك الحرس.
حدثنا سليمان بن أحمد، حدثنا حمد بن محمد بن حمد أبو نصر الكاتب البغدادي، حدثنا كُرْدُوس بن محمد الواسطي، حدثنا معلي بن عبد الرحمن عن فضيل بن مرزوق، عن عطية، عن أبي سعيد الخدري قال: كان العباس عم رسول الله صلى الله عليه وسلم فيمن يحرسه، فلما نزلت هذه الآية: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ترك رسول الله صلى الله عليه وسلم الحرس.
حدثنا علي بن أبي حامد المديني، حدثنا أحمد بن محمد بن سعيد، حدثنا محمد بن مُفَضَّل بن إبراهيم الأشعري، حدثنا أبي، حدثنا محمد بن معاوية بن عمار، حدثنا أبي قال: سمعت أبا الزبير المكي يحدث، عن جابر بن عبد الله قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا خرج بعث معه أبو طالب من يكلؤه، حتى نزلت: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} فذهب ليبعث معه، فقال: «يا عم، إن الله قد عصمني، لا حاجة لي إلى من تبعث».
وهذا حديث غريب وفيه نكارة فإن هذه الآية مدنية، وهذا الحديث يقتضي أنها مكية.
ثم قال: حدثنا محمد بن أحمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن يحيى، حدثنا أبو كُرَيْب، حدثنا عبد الحميد الحمَّاني، عن النضر، عن عكرمة، عن ابن عباس قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرس، فكان يرسل معه أبو طالب كل يوم رجالا من بني هاشم يحرسونه، حتى نزلت عليه هذه الآية: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} قال: فأراد عمه أن يرسل معه من يحرسه، فقال: «إن الله قد عصمني من الجن والإنس».
ورواه الطبراني عن يعقوب بن غَيْلان العماني، عن أبي كريب به.
وهذا أيضا غريب. والصحيح أن هذه الآية مدنية، بل هي من أواخر ما نزل بها، والله أعلم.
ومن عصمة الله عز وجل لرسوله حفْظُه له من أهل مكة وصناديدها وحسادها ومُعَانديها ومترفيها، مع شدة العداوة والبَغْضة ونصب المحاربة له ليلا ونهارًا، بما يخلقه الله تعالى من الأسباب العظيمة بقَدَره وحكمته العظيمة. فصانه في ابتداء الرسالة بعمه أبي طالب، إذ كان رئيسًا مطاعًا كبيرًا في قريش، وخلق الله في قلبه محبة طبيعية لرسول الله صلى الله عليه وسلم لا شرعية، ولو كان أسلم لاجترأ عليه كفارها وكبارها، ولكن لما كان بينه وبينهم قدر مشترك في الكفر هابوه واحترموه، فلما مات أبو طالب نال منه المشركون أذى يسيرًا، ثم قيض الله عز وجل له الأنصار فبايعوه على الإسلام، وعلى أن يتحول إلى دارهم- وهي المدينة، فلما صار إليها حَمَوه من الأحمر والأسود، فكلما هم أحد من المشركين وأهل الكتاب بسوء كاده الله ورد كيده عليه، لما كاده اليهود بالسحر حماه الله منهم، وأنزل عليه سورتي المعوذتين دواء لذلك الداء، ولما سم اليهود في ذراع تلك الشاة بخيبر، أعلمه الله به وحماه الله منه؛ ولهذا أشباه كثيرة جدًا يطول ذكرها، فمن ذلك ما ذكره المفسرون عند هذه الآية الكريمة:
فقال أبو جعفر بن جرير: حدثنا الحارث، حدثنا عبد العزيز، حدثنا أبو مَعْشَرٍ، عن محمد بن كعب القُرَظِي وغيره قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا نزل منزلا اختار له أصحابه شجرة ظليلة فيقيل تحتها. فأتاه أعرابي فاخترط سيفه ثم قال: من يمنعك مني؟ فقال: «الله عز وجل»، فَرُعِدَت يد الأعرابي وسقط السيف منه، قال: وضرب برأسه الشجرة حتى انتثر دماغه، فأنزل الله عز وجل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد أحمد بن محمد بن يحيى بن سعيد القَطَّان، حدثنا زيد بن الحُبَاب، حدثنا موسى بن عبيدة، حدثني زيد بن أسلم، عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما غزا رسول الله صلى الله عليه وسلم بني أنمار، نزل ذات الرِّقاع بأعلى نخل، فبينا هو جالس على رأس بئر قد دلى رجليه، فقال غَوْرَث بن الحارث من بني النجار: لأقتلن محمدًا. فقال له أصحابه: كيف تقتله؟ قال: أقول له: أعطني سيفك. فإذا أعطانيه قتلته به، قال: فأتاه فقال: يا محمد، أعطني سيفك أشيمُه. فأعطاه إياه، فَرُعدت يده حتى سقط السيف من يده، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «حال الله بينك وبين ما تريد» فأنزل الله، عز وجل: {يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وهذا حديث غريب من هذا الوجه وقصة «غَوْرَث بن الحارث» مشهورة في الصحيح.
وقال أبو بكر بن مَرْدُويه: حدثنا أبو عمرو أحمد بن محمد بن إبراهيم، حدثنا محمد بن عبد الوهاب، حدثنا آدم، حدثنا حماد بن سلمة، عن محمد بن عمرو، عن أبي سلمة، عن أبي هريرة قال: كنا إذا صحبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر تركنا له أعظم شجرة وأظلها، فينزل تحتها، فنزل ذات يوم تحت شجرة وعلق سيفه فيها، فجاء رجل فأخذه فقال: يا محمد، من يمنعك مني؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «الله يمنعني منك، ضع السيف». فوضعه، فأنزل الله، عز وجل: {وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}.
وكذا رواه أبو حاتم بن حِبَّان في صحيحه، عن عبد الله بن محمد، عن إسحاق بن إبراهيم، عن المؤمل بن إسماعيل، عن حماد بن سلمة، به.
وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن جعفر، حدثنا شعبة، سمعت أبا إسرائيل- يعني الجُشَمي- سمعت جَعْدَة- هو ابن خالد بن الصِّمَّة الجشمي- رضي الله عنه، قال: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم ورأى رجلا سمينًا، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يومئ إلى بطنه بيده ويقول: «لو كان هذا في غير هذا لكان خيرًا لك». قال: وأتي النبي صلى الله عليه وسلم برجل فقال: هذا أراد أن يقتلك. فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «لم تُرَع، ولم تُرَع، ولو أردتَ ذلك لم يسلطك الله عليَّ».
وقوله: {إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الْكَافِرِينَ} أي: بلغ أنت، والله هو الذي يهدي من يشاء ويضل من يشاء، كما قال: {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ} [البقرة: 272] وقال: {فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَعَلَيْنَا الْحِسَابُ} [الرعد: 40]. اهـ.

.من فوائد أبي السعود في الآية:

قال عليه الرحمة:
{يا أيها الرسول} نودي عليه السلام بعنوان الرسالة تشريفًا له وإيذانًا بأنها من موجبات الإتيان بما أُمر به من تبليغ ما أُوحِيَ إليه {بَلّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ} أي جميع ما أنزل إليك من الأحكام وما يتعلق بها كائنًا ما كان، وفي قوله تعالى: {مِن رَبّكَ} أي مالِكِ أمورِك ومبلِّغِك إلى كمالك اللائقِ بك، عِدَةٌ ضِمْنية بحفظه عليه السلام وكَلاءته، أي بلِّغْه غيرَ مراقِبٍ في ذلك أحدًا ولا خائف أن ينالك مكروهٌ أبدًا {وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ} ما أُمرت به من تبليغ الجميع بالمعنى المذكور كما ينبىء عنه قوله تعالى: {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ} فإن ما لا تتعلق به الأحكامُ أصلًا من الأسرار الخفية ليست مما يُقصَدُ تبليغه إلى الناس، أي فما بلغت شيئًا من رسالته وانسلخْتَ مما شَرُفتَ به من عنوان الرسالة بالمرة، لِما أن بعضها ليس أولى بالأداء من بعض، فإذا لم تؤدِّ بعضها فكأنك أغفلتَ أداءَها جميعًا كما أن من لم يؤمن ببعضها كان كمن لم يؤمن بكلها، لإدلاء كلَ منها بما يُدليه غيرها، وكونُها لذلك في حكم شيءٍ واحد، ولا ريب في أن الواحد لا يكونُ مُبلَّغًا غيرَ مبلَّغٍ مؤمَنًا به غيرَ مؤمَنٍ به، ولأن كتمان بعضها إضاعةٌ لما أُدِّيَ منها كترك بعض أركان الصلاة فإن عرضَ الدعوة ينتقض بذلك، وقيل: فكأنك ما بلغت شيئًا منها كقوله تعالى: {فَكَأَنَّمَا قَتَلَ الناس جَمِيعًا} من حيث أن كتمان البعض والكل سواءٌ في الشناعة واستجلاب العقاب، وقرئ {فما بلغت رسالاتي} وعن ابن عباس رضي الله عنهما إن كتمتَ آيةً لم تبلِّغْ رسالاتي، وروي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: «بعثني الله برسالاته فضِقْتُ بها ذرعًا فأوحَى الله إلي إنْ لم تبلِّغْ رسالاتي عذبتُك وضمِن لي العصمة فقوِيْتُ» وذلك قوله تعالى: {والله يَعْصِمُكَ مِنَ الناس} فإنه كما ترى عِدَةٌ كريمةٌ بعصمته من لُحوق ضررهم بروحه العزيزِ باعثةٌ له عليه السلام على الجِدّ في تحقيق ما أمر به من التبليغ غيرَ مكترثٍ بعداوتهم وكيدهم. وعن أنس رضي الله عنه أنه عليه السلام كان يُحرَسُ حتى نزلت فأخرج رأسَه من قُبّةٍ أَدَمٍ فقال: «انصرفوا أيها الناس فقد عصمني الله من الناس» وقوله تعالى: {إِنَّ الله لاَ يَهْدِى القوم الكافرين} تعليل لعصمته تعالى له عليه السلام أي لا يمكنهم مما يريدون بك من الإضرار، وإيرادُ الآية الكريمة في تضاعيف الآيات الواردة في حق أهل الكتاب لِما أن الكل قوارعُ يسوء الكفارَ سماعُها، ويشُقّ على الرسول صلى الله عليه وسلم مشافهتُهم بها، وخصوصًا ما يتلوها من النصِّ الناعي عليهم كمالَ ضلالتهم ولذلك أعيد الأمر فقيل: {قُلْ يا أهل الكتاب} مخاطِبًا الفريقين {لَسْتُمْ على شيء}. اهـ.

.من فوائد الشوكاني في الآية:

قال رحمه الله:
{يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ}.
العموم الكائن في {ما أنزل} يفيد أنه يجب عليه صلى الله عليه وسلم أن يبلغ جميع ما أنزله الله إليه، لا يكتم منه شيئًا.
وفيه دليل على أنه لم يسر إلى أحد مما يتعلق بما أنزل الله إليه شيئًا، ولهذا ثبت في الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: من زعم أن محمدًا صلى الله عليه وسلم كتم شيئًا من الوحي فقد كذب.
وفي صحيح البخاري من حديث أبي جحيفة وهب بن عبد الله السوائي قال: قلت لعليّ ابن أبي طالب رضي الله عنه: هل عندكم شيء من الوحي مما ليس في القرآن؟ فقال: لا والذي فلق الحبة وبرأ النسمة، إلا فهمًا يعطيه الله رجلًا في القرآن وما في هذه الصحيفة، قلت: وما في هذه الصحيفة؟ قال: العقل، وفكاك الأسير، وأن لا يقتل مسلم بكافر.
{فَإِن لَّمْ تَفْعَل} ما أمرت به من تبليغ الجميع، بل كتمت ولو بعضًا من ذلك {فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ}.
قرأ أبو عمرو، وأهل الكوفة إلا شعبة: {رسالته} على التوحيد.
وقرأ أهل المدينة وأهل الشام {رسالاته} على الجمع، قال النحاس: والجمع أبين لأن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان ينزل عليه الوحي شيئًا فشيئًا، ثم يبينه انتهى.
وفيه نظر، فإن نفي التبليغ عن الرسالة الواحدة أبلغ من نفيه عن الرسالات، كما ذكره علماء البيان على خلاف في ذلك، وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمته ما نزل إليهم، وقال لهم في غير موطن: «هل بلغت؟» فيشهدون له بالبيان، فجزاه الله عن أمته خيرًا؛ ثم إن الله سبحانه وعده بالعصمة من الناس دفعًا لما يظنّ أنه حامل على كتم البيان، وهو خوف لحوق الضرر من الناس، وقد كان ذلك بحمد الله، فإنه بين لعباد الله ما نزل إليهم على وجه التمام، ثم حمل من أبى من الدخول في الدين على الدخول فيه طوعًا أو كرهًا، وقتل صناديد الشرك وفرّق جموعهم وبدّد شملهم، وكانت كلمة الله هي العليا، فأسلم كل من نازعه ممن لم يسبق فيه السيف العذل، حتى قال يوم الفتح لصناديد قريش وأكابرهم: «ما تظنون أني فاعل بكم؟» فقالوا: أخ كريم وابن أخ كريم فقال: «اذهبوا فأنتم الطلقاء».